الأحد، 13 مايو 2012

البــاقة الثــانية


بسم الله
السّلام عليكم


قصص قصيرة جداً
د مسلك ميمون

(11)
..................................

  خرجَ متسللا قبل طلوع الشّمس، يَتحامل على المَشي، معتمداً عصاه بِتؤدة ،جلس عندَ قبرها ، كان حزيناً . جال ببصره في العَتمة. القُبور شَواهد مُنتصبة . شَعر بقشعريرةٍ ، وصوتٍ أجَشّ يُخاطبه :
ـ أسَتبقى تَزورُ قبرَها كلّ صباح ؟
ردّ على الحارس بِصوت مُتهدّج :
ـ  ألفتُ إيقاظها لِصلاة الصّبح .
ـ  لكنّها ماتت .. 
ـ حقاً .. و لكنّني ما زلتُ حيا .
ــ ................. 

v

(12)
.................................

 أراد  سائقاَ للأسرة و ألحّ في الطّلب .
ــ حَظكَ منَ السّماء. هذا سائقُ سيارةِ أُجرة في كَزابلانكا .
سيرته وردٌ وفُل ، و أَوراقُه جاهزة ..
اقْتحَمهُ بِعينين كبيرتَين مُحمرّتين :
 ــ لا أُريدُ عربياً ، أريدُ بَنغاليا .
ــ لماذا بنغالياً بالضَّبط ؟ !
ـ عندي حُرمة و بَنات يا رَجل ! " خلّ عِندك نَظر !"
ــ .....................؟ 
v

(13)
...................................

   صباحَ مساء مع الهاتف ،. الفاتورة أثقلت كاهل الزوج . بعد الخصام المائة ، لم يعد يناقشها في مكالماتها التي لا تنتهي . لكنّه اليوم اندهش،رآها  قد ركّبت رقماً، بعد سبع دقائق من الكلام، قطعت الخط . قال لها من بعيد :
ــ هذا أحسن، لم تطيلي هذه المرّة .
نظرته شزراً وعقّبت :
ــ  لقد أخطأت في الرقم .

v

(14)

..............................

حين قدمته إلى أبيها كصديق قديم في الكلية ؛ استبشر خَيراً، رحّب به موظفاً في الشّركة .
فرح بالمنصب، بعد بطالة مقذعة. و أثنى كثيراً على زميلة الدّراسة .
بعد أشهر قليلة ، ألحّت أمّه على زواجه من بنت خالته.
طلب رخصة من أجل الخطوبة . فامتدت الرخصة إلى الأبد!
v
(15)
............................

حين غادر الحانة، لم يَبق في جيبه شيء .
كان الشّارع أمامه كائناً خرافياً، يتراقص متماهياً رخواً ..
في البيت،التفت البنات خائفات جائعات.. أمّهن كانت في حسرة تتميز غيظاً.
أدار المفتاح بصعوبة ، اندلق ما في بطنه كريهاً عند الباب . تطلعتْ إليه عيون صغيرة في رعب ..
ضحك ضحكة داعرة، ثمّ زعق كطفل غرير : ''ها نا جيـيـيـيـــت.... "
v
(16)

......................................

كانت المكتبة زاخرة بأمهات الكتب. سلّمتها فنجان قهوة ، لم تتكلم ، تابعت اندهاشها بفرح غامر، كانت عيناها كعيني طفل أدخِل غرفة من اللّعب ..
ــ هل قرأتِ كلّ هذه الكتب ؟
ــ ........................... !!
ـــ ترى مَن كاتبك المفضل ؟
ــ زوجــــــــي ..
ـــ رائع ! هل هو كاتب قصّة؟
ــ لا  .. يكتب شيكات .
ـــ   ...........................؟ !

v

(17)
.....................................
            لأنّه لغويّ متمرّس، سألته:
ــ هل الشّبيحة من الشَّبح ؟
اضطرب، سعل، همهم ، ظننته لن يجيب..لكنّه أفصح :
ــ في "اللّسان" ،  ''الشَّبح ُ: ما ظهر لك شخصه من النّاس .. و الجمع أشباح و شُبوح .
 و شَبَحَه يَشْبَحُه: مَدَّه ليجلده .''
ــ  واوْ ... وجدتها.. وجدتها ...!!
اندهش مضطرباً ،التفت مرتعباً، تلعثم مرتبكاً... :
ــ مَن الشّبيحة يا رجل؟! هذا من حوشي الأنام ، أقصد من حوشي الكلام، لفظ غريب ليس في " اللّسـان" !!
ـــ ............................................؟!

v
(18)
.........................................

كان البدر ينشر ضياءه .ذكّرها بذكرى اللّقاء الأوّل ..رأته جالساً وحده، اقتربت منه ،انثنت بدلال، سألته بشغف :
عزيزي ... بماذا يذكرك البدر ؟
كان شارداً ،لم يهتم بالسّؤال ، لكن حين ألحّت ، قال :   
...من الوجهة الأسترونوميكية:قطعة من الأرض انفصلت عنها،لكن الجاذبية جعلتها تابعة
...أمّا من الناحية الأسترولوجيكية: الشّهر القمري ،يختلف عن الشّهر الشّمسي ...
... أمّا إن شئت الرؤية التيولوجيكية : فإننا نصوم لرؤيته حين يكون هلالا .
... أمّا المسألة المتيورولوجيكية ....
قبل أن يتمّ ،التفتَ ،لم يجدها ...
v
(19)
.................................
 ينتفضُ في الشّركة كالفقمة المكتنزة.. منتفخ الأوداج ، عيناه محمرتان يتطاير منهما الشّرر....لا يكفّ عن الصّراخ في وجه العمّال...راغياً مزبداً ، قلقاً متوتراً .. يتحاشاه الجميع خوفاً.
مساءً ،يأوي إلى امرأة ضئيلة متجهمة ، في سنه أو  أقلّ قليلا  .. ينتهي إليه زعيقها منفراً مجلجلا.. يتحاشاها دوماً ،ملاطفاً مستكيناً ،تصرخ في وجهه غاضبة. ،فلا يُسمَعُ صوتُه إلا هَمساً... !!

v

(20)

...............

ظلّت كاظمةً غَيظها،تَنظره بتأفّف.. كان لاهياً لا يَدري، مَشدوداً، مَشدوهاً، شارداً... 
في الصّباح،كالعادة يتناول فطورَه أمَامه .عندَ الظّهر،يجلسُ إليه و يكتفي بشطيرة.في المغرب و إلى وقت مُتأخر، يَتفقد بَريده، و جُملة من المَواقع...
 لكنْ  هـذا الصّباح،لمْ يَجده. أطلّ مِن الشّرفة ؛ وجده أجزاءً متناثرة .


ملحوظة:  لا أضع عناوين لقصصي القصيرة جدا و أترك ذلك لنباهة القارئ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق